الفكر يجلب بعضه ، و الخيوط تتشابك و تلتقي ، فحين كنت من إخوان "منطقة الزّيتون" حضرت كتيبة إخوانية في بيت أحد الإخوة المسؤولين عن المنطقة ، و كان المُحاضِر الدكتور جمال عبد الهادي أستاذ التّاريخ الإسلامي ، و هو أحد الدّعاة الكِبار في الإخوان ، و كانت له العديد من الدّروس يلقيها في أحد المساجد بمنطقة الأميرية القريبة من الزّيتون .. و الحق أن الدّكتور جمال رجل مفعم بالمشاعر الإيمانيّة الفيّاضة حتى إنّه كثيرا ما كان يبكي أثناء دروسه ، و هو من الرّجال الذين يأخذون انفسهم بالشدّة في العِبادة ، و لم يحدث أن طلب دنيا أو مغنما بل كان مخلصا لفكرته مدافعا عنها ، إلا أن قلب الإنسان غير عقله و فكره؛ فمن الممكن أن يجذبك أحدهم بنقاء سريرته و نبل عاطفته و يصدمك بطريقة تفكيره.
في تلك الكتيبة الإخوانيّة قال الدكتور جمال عبد الهادي عدّة أفكار كانت صادمة بالنّسبة لي :
- لا نستطيع أن نتهم شخصا بعينه بالكفر ، فلا يجوز إطلاق القول بالكفر إلا بأن يثبت بالدّليل الشّرعي ، و بالتّالي لا يجوز تكفير الأعيان (أي الاشخاص) إلا إذا ثبت ذلك من خلال قول أو فعل. و لكننا نستطيع تكفير الحكومات و الأنظمة، و يثبت كفرها إذا امتنعت عن تحكيم شرع الله و هي تعلم وجوب هذا التّحكيم ، و يثبت علمها بالوجوب إذا أنذرها أهل العلم و الفقه ، و نظرا لأننا أنذرنا حكوماتنا و أخذنا عليهم الحجّة فتكون الحكومات المصريّة كافرة كفرا يخرجها من الملّة. و لأن الله قال في كتابه الكريم : "إن الحُكم إلا لله" لذلك لا ينبغي أن نشرّع لأنفسنا ، و من يشرّع لنفسه فهو يشرك بالله سبحانه و تعالى و يتحاكم من الطّاغوط: "ألم تر إلى اللذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوط و قد أمِروا أن يكفروا به".
- و في نهاية المحاضرة قلت له: يا فضيلة الشّيخ ، لقد أشكل عليّ شيء مما قلتَه فهل من إيضاح ؟
- فرَد بسماحته: تفضّل يا أخي.
- قلت : كيف تكفّر الحكومة و لا يكفر الحاكم ؟ فالحكومة هي شيء معنوي ، اعتباري ، و الاشياء الإعتباريّة لا تكفر و لا تؤمن ، و لكن الاشخاص الذين يديرونها هم الّذين كذلك ، أنا ارى أننا لا يمكن أن نقول إن دولة كذا هي دولة كافرة ، و لكننا نقولها من باب المجاز ، إنما نقصد أن معظم شعبها على الكفر و أن أفراد حكومتها على الكفر ، و كذلك لو قلنا إن الحكومة كافرة لأنها تتحاكم إلى الطّاغوت و لا تحكم بما أنزل الله فهم أيضا كفار ، و المحامون الذين يترافعون بالقوانين التي ما أنزل الله بها من سلطان هم أيضا كفّار فهل أنا بهذه المثابة كافر لأنني أعمل بالمحاماه ؟
حوار بين الدكتور ثَروَت الخِربَاوي (المحامي و القيادي السابق في جماعة الإخوان) مع الدّكتور جمال عبد الهادي (أستاذ التّاريخ الإسلامي و الدّاعية الإخواني الشّهير) في محاضرة
النّص الأصلي من كتاب: سِر المَعبد - الأسرار الخفيّة لجماعة الإخوان المسلمين
صفحة: 214 - 216
دار نهضة مصر للنشر - الطَبعة الأولى فبراير 2012
ما أجمل كلمات البشر الإقصائية .. و كيف تظهر إغراءها الفاتن بطائفيتها .. و كيف تشع عنفا تعصبيا .. و ما يجعلها اجمل؛ هو أن باطنها لم ينجلِ بعد على ظاهرها .. فهيهات أن تعرف قوة الإغراء بأن تكون ممثّل الرب على الأرض .. بأن تنطق بكلمات مهيبة تشعرك بألوهيتك !
___________________________________
آه ، إن قوة الأرض و الدم مخيفة حقا. إنها لتستطيع أن تجذبنا إليها في كل حين كلما أردنا ارتفاعا ! - "سلطان الظلام" توفيق الحكيم
Monday, February 4, 2013
حوار (2) - سِر المَعبَد - ثَروَت الخِربَاوي
Posted by Nour Badr at 8:41 PM
Labels: 2012, الإخوان, الإخوان المسلمون, تكفير, ثروت الخرباوي, جمال عبد الهادي, سر المعبد, فبراير, محاضرة, مصر
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
0 comments:
Post a Comment