BLOGGER TEMPLATES - TWITTER BACKGROUNDS »

مصــــــر

مصــــــر
فلترفعوا عيونكم إليّ ، لربّما .. إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ ، يبتسم الفناء داخلي .. لأنّكم رفعتم رأسكم .. مرّه ! -أمل دنقل


كانت النبوءة :(الناس نيام، فإذا ما انتبهوا ماتوا!)؛ و قد كٌسرت البلورة فوجبت

ما أجمل كلمات البشر الإقصائية .. و كيف تظهر إغراءها الفاتن بطائفيتها .. و كيف تشع عنفا تعصبيا .. و ما يجعلها اجمل؛ هو أن باطنها لم ينجلِ بعد على ظاهرها .. فهيهات أن تعرف قوة الإغراء بأن تكون ممثّل الرب على الأرض .. بأن تنطق بكلمات مهيبة تشعرك بألوهيتك !

___________________________________

آه ، إن قوة الأرض و الدم مخيفة حقا. إنها لتستطيع أن تجذبنا إليها في كل حين كلما أردنا ارتفاعا ! - "سلطان الظلام" توفيق الحكيم


Sunday, February 3, 2013

حوار (1) - سِر المعبَد - ثروَت الخِربَاوي

بعد أيام من انتظامي في صلاة المغرب يوميا بهذا المسجد "مسجد قاهر التتار" رأيته عن بعد شيخا كهلا يجلس القرفصاء بعد صلاة العشاء ، منكبا على قراءة القرآن بصوت خافت .. غمرتني راحة نفسية حين وقع بصري عليه ، فاقتربت منه و جلست بجواره ، لم يستغربني و لكنه ابتسم في وجهي ابتسامة محببة ، فالقيت عليه السلام ، فحيّاني بعبارات محببة .. طلبت منه أن يدعو لي ، فوضع يده على رأسه و أخذ يدعو لي دعاء فياضا بصوت رخيم متهدّج من فرط الصّدق .. و بغير إرادة مني و كأنني مسيّر، أخبرته أنني كنت من الإخوان و تركتهم منذ شهور و كأنني أريد أن أدرأ عن نفسي تهمة لم يوجهها لي ! .. قال لي بعاطفة و كأنه أبي:

 - و أين أنت الآن ؟

 - قلت: أنا أنتمي إلى الحركة الإسلاميّة ، إلى التّيار الإسلامي ، فأنا إسلامي النّزعة.

 - قال و البشاشة على وجهه: لا تقل أنا إسلامي ، و لكن قل أنا مسلم ، الله قال لنا ذلك ، قال في كتابه الكريم : "هو سمّاكم المسلمين من قبل" و لم يقل هو سمّاكم الإسلاميين ، و قال : "و اشهد بأنّا مسلمون" و لم يقل و اشهد بأنّا اسلاميّون. لذلك فإن مصطلح الإسلاميين لم يكن معلروفا في عهد الرّسول (صلّى الله عليه و سلّم) و لا في عهود الصّحابة حتى القرن التّاسع عشر ، بل كان كل من يجتهد فإنما كان ينسب الغجتهاد لنفسه ، لا للإسلام ، فهذا حنفي و ذاك مالكي ، و ذلك شافعي و هكذا ، لم يجرؤ أحدهم على أن ينسب الإسلام لنفسه أ يقول: انا صلحب المذهب الإسلامي؛ و لذلك كانت تعبيرات "المذاهب الإسلامية" تعبيرات حديثة لم يقل بها أصحابها ، و كذلك مصطلح "الفقه الإسلامي" قالصحيح أنه "فقه المسلمين" و الحضارة الإسلاميّة هي حضارة المسلمين لا الإسلام ، تاريخ الإسلام هو تاريخ المسلمين لا الإسلام ، تاريخ الإسلام لم يكن إلا في عهد الرّسالة فحسب ، و ما بعد ذلك كان تاريخ أجيال من المسلمين.

 ثم استطرد: لا ينبغي أن يختلط "الإسلام" في الأذهان بـ "المسلم" فثمّة مسافة بينهما؛ لذلك كان من الخطأ أن نسمّي ابن تيميّة "شيخ الإسلام" إذ يجوز أن يكون شيخا للمسلمين ، و لكن لا توجد مرتبة في الإسلام اسمها "شيخ الإسلام .. و كذلك من يقولون على أبي حامد الغزالي "حجّة الإسلام" فهو ليس حجّة الإسلام ، فالحجّة هي الدّليل ، و حجّة الإسلام هي القرآن ، هي الرّسول (عليه السّلام) ، و لكن لا توجد مرتبة اسمها "حجّة الإسلام". يجوز أن نقول عنه فقط أنّه "حجّة المسلمين". المرتبة الوحيدة في ديننا هي مرتبة النّبوّة و الرّسالة ، هي نبي الإسلام.

 - رددت عليه برعونة: و ليكن ن أنا مسلم ، و لكنني صاحب هذه الدّعوة ، صاحب هذه الرّسالة ، نحن نملك الإسلام.

 - رد بحكمة: يا بُني الحبيب ، لا ينبغي أن يدّعي أي إنسان أنّه "صاحب الدّعوة" و كأنّها مملوكة له ملكيّة حصريّة ، هذه دعوتنا جميعا ، و الوحيد الذي نستطيع أن نقول عنه أنه "صاحب الرّسالة" هو الرّسول محمّد (صلّى الله عليه و سلّم) ، هو نبي الإسلام.

 - قلت و قد انخفض صوتي بمقدار إنخفاض معرفتي: و لكن يا شيخنا ، أليس يختلط الرّجل برسالته ، بفكرته ؟ .. قرأت من قبل كتابا عن حسن البنّا اسمه "حسن البنّا .. الرّجل و فكرته" لكاتب من الإخوان اسمه محمّد عبد الله السّمان ، و قد كان الكتاب كلّه يدور حول أن حسن البنّا لم يكن رجلا ، و لكنه كان فكرة ، كان إسلاما ، كان رجلا قرآنية ، حتّى إن كل الإخوان يطلقون عليه "صاحب الدّعوة".

 - رد الشّيخ و ابتسامته مازالت تعلو وجهه: فليرفع النّاس قدر رجالهم كما يحبّون ، و لكنّهم و هم في حبّهم لشيخهم لا ينبغي أن يخفضوا الإسلام ليتساوى مع رأس شيخهم. انظر يا بُنيّ الحبيب رغم حبّنا للمصطفى عليه الصّلاة و السّلام فإننا لا نستطيع أن نقول: إنّه هو الإسلام ، نعم كان الرّسول "قرآنا يمشي على الأرض" و كان خُلُقَه القرآن ، و مع ذلك لم يقُل أحد إن "الرّسول" كان هو الإسلام ، و لكنه كان كما قال عن نفسه: "إنما أنا بشر فما حدّثتكم به من عند الله فهو حق ، و ما قلت فيه من قبل نفسي ، فإنما أنا بشر أصيب و أخطئ". و لؤكّد للنّاس بشريّته قال: "إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكّة". الرّسول إذن رجل من بني آدم و إن علت مرتبته على بقيّة البشر ، و لكن الإسلام عقيدة و لا يوجد في الإسلام مرتبة أخرى تجعل من المسلم "إسلاما" أو تجعله قرآنا.

 - قلت باستفهام: و لكنني قد أكون صاحب الدّعوة! .. حسن البنّا يقولون عنه ذلك.

 - رد و قد طال صبره: ما نحن إلا دعة مصداقا لقول الرّسول (عليه الصّلاة و السّلام) : "بلّغوا عني و لو آية" و لو قال الإخوان : إن حسن البنّا هو صاحب الدّعوة ، فإنما يضعون شيخهم في مرتبة النّبوة ، أو كأنّهم يُخرِجونهم من الملّة ، فلو كان متبعا لدعوة الإسلام لكان يجب أن يقولوا عنه إنّه "داعية" و حسب؛ لأن حاحب الدّعوة هو الرّسول ، و لو قالوا : إننا نقصد أنّه صاحب دعوة الإخوان ، فمعنى ذلك أن دعوتهم تختلف عن دعوة الإسلام! و إلا لما نسبوها لصاحبهم ، و ما داموا لا يقولون إنّهم أصحاب طريقة في العبادة ، أو أصحاب مذهب فإنّهم يجب أن يخرجوا من تقديس رجلهم ، و نفي ملكيّة الدّعوة عنه ، .. لا أحد منّا يا بني يملك الإسلام ، لا نستطيع أن نقول إلا أننا أسلمنا لله رب العالمين ، و نحن نسير في طريق الإسلام ، و لكل منّا منزلته يا ثروت.

 - تعجبت من معرفة اسمي دون أن اخبره به ، فقلت مندهشا: أتعرفني ؟! - قال و هو يمسك برأسي ليقبّلها: نعم أعرفك ، و لكنّك نسيتني !



 حوار بين المحامي د.ثروت الخِرباوي (قيادي سابق في جماعة الإخوان) و بين أستاذه أحمد إبراهيم أبو غالي (قيادي سابق في جماعة
الإخوان) و مدرّ اللغة العربية و الدّين للإستاذ ثروت الخِرباوي

النّص الأصلي من كتاب: سِر المعبد : الأسرار الخفيّية لجماعة الإخوان المسلمين
صفحة : 147 - 150
دار نهضة مصر للنشر - الطّبعة الأولى فبراير 2012

0 comments: