BLOGGER TEMPLATES - TWITTER BACKGROUNDS »

مصــــــر

مصــــــر
فلترفعوا عيونكم إليّ ، لربّما .. إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ ، يبتسم الفناء داخلي .. لأنّكم رفعتم رأسكم .. مرّه ! -أمل دنقل


كانت النبوءة :(الناس نيام، فإذا ما انتبهوا ماتوا!)؛ و قد كٌسرت البلورة فوجبت

ما أجمل كلمات البشر الإقصائية .. و كيف تظهر إغراءها الفاتن بطائفيتها .. و كيف تشع عنفا تعصبيا .. و ما يجعلها اجمل؛ هو أن باطنها لم ينجلِ بعد على ظاهرها .. فهيهات أن تعرف قوة الإغراء بأن تكون ممثّل الرب على الأرض .. بأن تنطق بكلمات مهيبة تشعرك بألوهيتك !

___________________________________

آه ، إن قوة الأرض و الدم مخيفة حقا. إنها لتستطيع أن تجذبنا إليها في كل حين كلما أردنا ارتفاعا ! - "سلطان الظلام" توفيق الحكيم


Thursday, March 26, 2009

الشجرة ... " معرفة و حب و دماء


(1)

شجرة الخريف نابتة على الطريق ... تلقي السلام على الربيع بقطوف المعرفة تتدلى من فروعها، صفراء زاهية اللون ... و تأتي الرياح لتسافر معها حبوب اللقاح ...و بعض من تلك الزهور الصفراء ...

تمتد فروعها إلى مسافات بعيدة لتلامس السحاب في السماء ... يجلس في ظلالها طالب الحكمة ، يتجول بين صفحات كتاب بين يديه ، و يستكين قلبه ، و النسيم يداعب شعر راسه الفوضوي ...

و أمامه حقول العبّاد تطوف في محراب الشمس ... تستيقظ مع الخيوط الأولى للضوء ، و تنحني مودعة ساعة الغروب ...

إنه يستمد حكمته من الطبيعة ... من كتابه المقدس الذي يحفظه في صدره ... لم يجد مطلبه عند البشر ... كان يرى في عيونهم ذلك الإنسان القديم الوحشي الذي سيطرت عليه إحتياجاته المادية ... كان يرى ذلك الغباء الذي يتراءى في الوجوه و لا يختفي و راء تلك الإبتسامة الخبيثة ... كان يعرف الضياع في طريقهم ، و أهوائهم تتلقفهم من كل جانب ... كان يبحث عن الطهارة و النقاء ، لم يجد ذلك الرقي في الإنسان المتلازم مع التطور ... لذا لجأ إلى الطبيعة الكونية ... بعواصفها و سكونها ... بغضبها و جلالها ... فإنها من خلق الله ... فهل هناك أعظم من طلب الحكمة و الطهارة من الله ؟


(2)


على إحدى فروع تلك الشجرة ... و قف غراب أسود ... فسرت رعدة في جسد الحبيبين المتعانقين تحتها ... ذلك الصوت المنذر بالشؤم ... تلك الظلال المخيفة ليلا ... عيون تشع نارا تراقبهما ... طريق طويل مظلم ... لا يرون له نهاية ... و إنطفأت الشموع على جانبيه ... أوراق الشجر تطير مع الرياح ... لون أزرق سرمدي ... بعض النجوم التي إنتشرت في السماء تضيء و تخفت ... كانوا يبحثون عن نجمة الشمال ... هل ضللنا الطريق ؟

و سارا سوية و لا تغطي أجسادهم غير بعض الحلة البالية ... و قبل الرحيل أخذ فرع من الشجرة ، و كان الناي ... فأخذت حبيبته ترقص على الأنغام الضعيفة التي تحاول شق طريقها بين أصوت الرياح العنيفة ... برد قارس ... و مازالت ترقص ... على ألحان حب يولد من مأساه ... على بقايا من حلم قديم ... رماد يتطاير من تحت قدميها ... و نار متأججة في قلب الحبيب ... و يديه القابضتان على الناي و كأنه الحياة ...

بساطة ليلة في صمت الليل الثائر ... لا مكان للخطيئة بين أرواح العاشقين ... فهما مثل طيفان أبيضان ... و ملائكة الغفران تحيطهما ... ليلة لن تذكر في التاريخ بين سطور العظماء ... بل على لسان شاعر مازال يتلعثم بين حروف أشعاره ... و يبقى الحب ...

حبيبتي على الطريق معي سائرة ... حبيبي قد أعطاني ردائه البالي لأحتمي فيه ...
حبيبتي قد أسكرتني بدموعها ... حبيبي ضمني إلى صدره لأشعر بالقوة ...
حبيبتي قد رأت نورا في الأفق ... حبيبي يثق في حديثي ...

و تلتقي العينان ، ليقرءا عنوانهما ... و يكّونا بيتا من قلبهما بجانب الشجرة ... لتتساقط عليهما الزهور الصفراء في الربيع ... و يظل الناي يعزف ألحانا أبدية ...


(3)

جرح عميق ، جرح هذا المقاتل الفتي ... إنه ينزف بقوة و دمائه تروي الشجرة ... يمسك منديلا أنثويا مطرزا ... بداخله بعض أزهار البنفسج الذابلة ... يشتم رائحتها و مازالت عطرة ... يستمع إلى أصوات الطبول و الأبواق بعيدا ... لم تنتهي الحرب إذن ؟ ... كان يضع السيف يمينا و الدرع يسارا ... و على مرمى بصره يرى الأشلاء المحترقة ... و الرايات و قد دهست تحت أقدام الجياد ... و أصدقاء قد أسلموا الروح لبارئها ... غبار في الأفق مازال هائجا ... دموع تنهمر من عينيه ... تخضب لحيته ... تختلط بدمائه ... يجب النهوض من جديد ... و أسند يديه على السيف و قد خانته قواه ، فسقط مرة أخرى ...

بكاء شديد ... ينتحب ... يزحف ... يتوقف ... يفقد الوعي .......... يفيق ... ينظر من مكان عالي و قد إلتف حول جسده الفرسان ...
" يبدوا أن أخانا كان ينازع الموت و حيدا" ...
"هل تره تألم كثيرا ؟" ...
" أظنه كان يريد العودة لأرض المعركة مرة أخرى !"...
" لقد أظلته تلك الشجرة بتلك الورقة الخضراء الكبيرة" ...
" إنها الوحيدة في تلك الشجرة العقيم" ...
" لقد حافظت على جسدة من التعفن" ...
" إن أجساد الشهداء طاهرة لا تتعفن" ...

لقد كان يسير بينهم و يصرخ ... أنا لم أمت ... أنا حي أرزق ... ألا ترون ؟ ... إنها الحقيقة ... لا أشعر بأن هناك ذلك الجرح المزعج ... لا أرى الدماء ... إني أشتم المسك من بين ملابسي ...

وكان الفرسان مستعدون لحمله للعودة إلى الوطن ليكرموه و ليراه أهله للمرة الأخيرة و يودعوه ...

إلى أين الرحيل ؟ ... لا تدخلوا بي إلى المدينة محمولا على الأعناق ... لطالما كنت داخلها على جوادي الأصهب ... لا تذهبوا بي إلى حبيبتي ... لا أريدها أن تراني جثة هامدة ... لطالما كنت فارسها ... أتكون أخر نظراتها إلي حزن و ضعف و وهن ؟ ... لن ترحلوا بي من هنا ... هنا أمكث ... هنا أدفن ... هنا أحيا روحا فرحة بالحرية ... من هنا أتجه إلى موطني الأصلي ...

و كانوا كلما حملوه ، لم يستطيعوا ، كان أثقل ما يكون ... فكانوا يريدون تجريده من دروعه الحديدية ... فصاح أحدهم " ويحكم .. أتجردون فارسا من ملابسه الحربية ؟ ... عار عليكم "
"سوف نتركه هنا إذن ... و ليكن مثواه الأخير"
" نعم ... و لتكن تلك الشجرة رمزا له"

واراه الرجال في التراب و وضعوا السيف معه ... ألقوا السلام ، ثم مضوا في طريقهم ... و بعد ثلاثة أيام رأى إمرأة شابة و قد نال بعض الشيب منها ... أه يا حبيبتي ... ءابيت إلا أن تودعيني؟ ... أحزنت حتى نال الشيب منك ؟ ... و رأها تجلس بجانب قبره ... و الدموع قد حفرت طريقا على وجنتيها ، و شفتيها الدقيقتان ترتعدان ... مسح عليها فشعرت بالطمأنينة و أغلقت عينيها ... فقبلها و الدموع في عينيه ... و جلس جلسة أخيرة بجوارها ، و وضع يده على يديها ... و أغمض عينيه و قال : " أه لو تعلمين ..."


نور بدر
الأحد / الإثنين
9/2/2009
الساعة 3:30 بعد منتصف الليل

0 comments: